responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 279
قِسْمًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِعْلُنَا، بَلْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَمْرٌ شَرِيفٌ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَسَمٌ بِزَمَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الظُّهْرِ بِقِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ بِقِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ، فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا! فَقَالَ اللَّهُ: وَهَلْ نَقَصْتُ مِنْ أَجْرِكُمْ شَيْئًا، قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَذَا فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ، فَكُنْتُمْ أَقَلَّ عَمَلًا وَأَكْثَرَ أَجْرًا»
فَهَذَا الْخَبَرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ هُوَ الزَّمَانُ الْمُخْتَصُّ بِهِ وَبِأُمَّتِهِ، فَلَا جَرَمَ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، فَقَوْلُهُ: وَالْعَصْرِ أَيْ وَالْعَصْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ فَهُوَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِزَمَانِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبِمَكَانِهِ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [الْبَلَدِ: 2] وَبِعُمُرِهِ فِي قَوْلِهِ: لَعَمْرُكَ [الْحِجْرِ: 72] فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَعَصْرِكَ وَبَلَدِكَ وَعُمُرِكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كَالظَّرْفِ لَهُ، فَإِذَا وَجَبَ تَعْظِيمُ حَالِ الظَّرْفِ فَقِسْ حَالَ الْمَظْرُوفِ، ثُمَّ وَجَّهَ الْقَسَمَ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ حَضَرْتَهُمْ وَدَعَوْتَهُمْ، وَهُمْ أَعْرَضُوا عَنْكَ وَمَا الْتَفَتُوا إِلَيْكَ، فَمَا أَعْظَمَ خُسْرَانَهُمْ وَمَا أَجَلَّ خِذْلَانَهُمْ.

[سورة العصر (103) : آية 2]
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْإِنْسَانِ، يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَأَنْ تَكُونَ لِلْمَعْهُودِ السَّابِقِ، فَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجِنْسُ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اسْتِثْنَاءُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْمُرَادُ مِنْهُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ جَمَاعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لَهَبٍ، وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ/ إِنَّهُ أَبُو جَهْلٍ،
وَرُوِيَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَفِي خُسْرٍ، فَأَقْسَمَ تعالى أن الأمر بالضد مما توهمون.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْخُسْرُ الْخُسْرَانُ، كَمَا قِيلَ: الْكُفْرُ فِي الْكُفْرَانِ، وَمَعْنَاهُ النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ فِيهِ تَفْسِيرَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْإِنْسَانَ عَلَى الْجِنْسِ كَانَ مَعْنَى الْخُسْرِ هَلَاكَ نَفْسِهِ وَعُمُرِهِ، إِلَّا الْمُؤْمِنَ الْعَامِلَ فَإِنَّهُ مَا هَلَكَ عُمُرُهُ وَمَالُهُ، لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ بِهِمَا سَعَادَةً أَبَدِيَّةً، وَإِنْ حَمَلْنَا لَفْظَ الْإِنْسَانِ عَلَى الْكَافِرِ كَانَ الْمُرَادُ كَوْنَهُ فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ إِلَّا مَنْ آمَنَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَحِينَئِذٍ يَتَخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ الْخَسَارِ إِلَى الرِّبْحِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا قَالَ: لَفِي خُسْرٍ وَلَمْ يَقُلْ: لَفِي الْخُسْرِ، لِأَنَّ التَّنْكِيرَ يُفِيدُ التَّهْوِيلَ تَارَةً وَالتَّحْقِيرَ أُخْرَى، فَإِنْ حَمَلْنَا عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ الْمَعْنَى إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ عَظِيمٍ لَا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الذَّنْبَ يَعْظُمُ بِعِظَمِ مَنْ فِي حَقِّهِ الذَّنْبُ، أَوْ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ حَاصِلَانِ فِي ذَنْبِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ رَبِّهِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ ذَلِكَ الذَّنْبُ فِي غَايَةِ الْعِظَمِ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الثَّانِي كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ خُسْرَانَ الْإِنْسَانِ دُونَ خُسْرَانِ الشَّيْطَانِ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ أَنَّ فِي خَلْقِي مَنْ هُوَ أَعْصَى مِنْكَ، وَالتَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لِقَائِلٍ: أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ: لَفِي خُسْرٍ يُفِيدُ التَّوْحِيدَ، مَعَ أَنَّهُ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْخُسْرِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْخُسْرَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ حِرْمَانُهُ عَنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ، وَأَمَّا الْبَوَاقِي وَهُوَ الْحِرْمَانُ عَنِ الْجَنَّةِ، والوقوع في

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 279
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست